Saturday, March 5, 2016

السيّد نصر الله بين الدين والسياسة

منذ تولّيه الأمانة العامة لحزب الله، تمتّع السيد حسن نصر الله على الدوام بمكانةٍ خاصة ضمن التركيبة السياسية اللبنانية، وتنامت شعبيّته بسرعةٍ خارج لبنان لتبلغ أوجها بعد حرب العام 2006 مع إسرائيل، حين أصبح الرجل على الأرجح الزعيم الأوسع شعبية في أكثر من بلد عربي.

وإذا كانت كلمته في 8 آذار 2005 الشاكرة لـ"سوريا الأسد" بعد اغتيال الرئيس الحريري، ثم خطاباته التخوينية لخصومه على مدى سنوات واستخدام حزبه السلاح ضدّهم لتعديل موازين القوى السياسية وترجمتها الى عكس ما أنتجته الانتخابات النيابية عامَي 2005 و2009، قد أفقدته محبة أكثريةٍ لبنانيةٍ وجعلته المسؤول الأكثر تعرّضاً للهجاء، فإن تراجعه عربياً لم يحصل فعلياً إلا بعد اتّخاذه موقفه المذهبي العام 2011 وإعلائه الولاء لطهران وتأييده نظام البراميل ضد السوريين.

رغم ذلك، حاذر كثرٌ لبنانياً – وحتى عربيّاً – المسّ به لأسباب عديدة، بعضُها اللبناني مرتبطٌ بالخوف أو برغبة تجنيب عمامته الدينية النقد السياسي، وبعضُها الآخر العربي حفظاً لذكرى "مقاومة" أو تمييزاً له عن السياسيين الآخرين.

هكذا تجنّبت الحملات المواطنية اللبنانية ضد الطائفية أو الفساد مثلاً رفع صوره مع باقي صوَر زعماء القوى الطوائفية اللبنانية الكبرى. وهكذا أيضاً عبّر عربٌ غاضبون من مشاركة حزب الله في الحرب على الأغلبية السورية عن أسفهم لزجّ نصر الله نفسه في معارك بعيداً عن الحدود الجنوبية اللبنانية.

وبمعزلٍ عن لا سياسة اعتبار "المقاومة" كمشروعٍ حزب إلهي بعيدةً عن سياق الحرب على السوريين (وعلى اللبنانيّين قبلهم)، وبمعزل أيضاً عن أن حزب الله قاتل في سوريا زمناً (عدد ساعاتٍ) وكثافة نيرانٍ وأعداد مقاتلين خلال السنوات الأربع الماضية أكثر ممّا قاتل إسرائيل على مدى عقدين (بين العامين 1983 و2006)، فإن أمر تمييز السيد نصر الله عن باقي المسؤولين السياسيين اللبنانيين لا يستقيم، لا في الحملات المواطنية ولا في البرامج السياسية. وذلك لسببين.

السبب الأول، أن العمامة والعباءة (وكلّ رداء ديني آخر) لا تقيان صاحبهما من النقد إن كتب أو تحدّث أو خاض في شأنٍ عام. فكيف إذا كان الصاحب هذا شخصاً حزبياً يخوض في كافة تفاصيل السياسة ويملك حزبه جناحاً عسكرياً يقاتل على أكثر من جبهة، آخرها جبهة النظام السوري.

والسبب الثاني، أن السيد نصر الله أمين عام حزب مشارك في الحكم في لبنان منذ سنوات، والتعامل الإعلامي والمواطني معه ينبغي أن يتمّ على هذا الأساس، أي على أساس مواقف حزبه وتقييم أداء نوّابه ووزرائه ومنتخَبيه المحلّيّين والموظّفين الذين دفع بهم الى الإدارات العامة. وهو بهذا لا يختلف في حقوقه وواجباته عن أي مسؤول آخر دينيٍ أو زمني. كما أن الحديث عن كونه من خارج "النادي السياسي التقليدي" لعدم وراثته سلطةً أو حزباً أو مقعداً نيابياً لم يعد ذا شأنٍ بعد ربع قرن من تولّيه قيادة حزبه.


بهذا المعنى، ليس للسيد نصر الله لا لبنانياً ولا عربياً ما يحصّنه من النقد الذي يمكن أن يتعرّض له أي مسؤول سياسي. والقول بالتعصّب المذهبي الذي يحرّض ضدّه صحيحٌ في جوانب عدة، لكنه لا يختلف في شيء عن صحة الكلام بالمذهبية إياها التي تحرّك مواقف حزبه ومريديه. 

أما انفلات الغضب والشتائم وقطع الطرقات كلّ ما تعرّض السيّد لتهكّم تلفزيوني فلا يعني إلاّ تأكيد فقدانه الهالةَ التي رافقته لسنوات طويلة. وهي هالة لا تعوّض تراجعها الصواريخ التي يطلقها حزبه على السوريّين، ولا يلجم سرعة انحدارها فائض قوّة أنصاره في الشوارع ومنابر الشتم والتهديد... بل العكس هو الصحيح تماماً.
زياد ماجد