Friday, July 25, 2014

خِلافةٌ هي كارثة جديدة

يبدو إعلان زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش" أبو بكر البغدادي "الخلافة" حدثاً كوميدياً أو مزحة سمجة.  لكنه ليس على هذا النحو تماماً. فالمشروع الذي يقوده الرجل، المستفيد من تضافر عوامل سابقة وراهنة (أشرنا إليها الأسبوع الفائت)، سيتسبّب بويلات تضاف الى الويلات التي أصابت وتصيب المنطقة.

ذلك أن القول بدولة وخليفة في رقعة على تخوم مدينتي بغداد ودمشق، عاصمتَي الخلافتين العبّاسية والأموية، وفي ظلّ حروب مستعرة واحتقان مذهبي وفلتان بعض الحدود، سيجذب جهاديّين إضافيين من أصقاع الأرض (أو على الأقل سيزيد الموجودين منهم تماسكاً)، بما يُطيل أمد العنف الهمجي ويمدّه بمخيّلات وتهويمات وإسقاطات قاتلة. وهذا سيجعل اجتثاث "الدولة-الخلافة" أكثر كلفة دموية، إن في العراق أو في سوريا، وأكثر انفتاحاً على احتمالات تعاون عسكري دولي وإقليمي قصير النظر يخلط بعض الأوراق ويعدّل مرحليّاً الأولويّات الأمنية لدول عدّة.

أكثر من ذلك، يمكن افتراض أن "الخليفة" البغدادي سيسعى الى استقطاب شبّان مقيمين في دول غربية، أو جماعات ناشطة في دول أفريقية وآسيوية، وقد يحاول الاستفادة منهم للقيام بأعمال إرهابية أو لتنظيم عنف مشهدي مثير في أماكن إقامتهم نفسها، بما يضاعف الاهتمام الإعلامي بظاهرته ويدفعها لاحتلال الصدارة لفترة في الأجندات السياسية الدولية.
الأسوأ، أن ما سيعانيه أهل المناطق الواقعة ضمن حدود الخلافة سيكون بلاءً مضاعفاً. فإضافة الى فائض الظلامية والإجرام وكراهية الحياة التي نشهد منذ عام تقريباً نموذجاً منها في "إمارة الرقة" وفي بعض مناطق الريف الحلبي الشرقي وأرجاء واسعة من محافظتي دير الزور والحسكة، ستشهد "أرض الخلافة" صدامات محليّة مستمرة بين موالين ومعارضين لزعيهما، وستشهد على الأرجح حملات عسكرية كبرى لاقتلاعه ولإنهاء هذه المأساة المديدة.


على أنه لا شفاء فعليّاً من "داعش" والخلافة التي تعلنها ومن شبيهاتها المُقبلات من دون اجتثاث أصل البلاء الذي خرّج ويخرّج ظواهر مثلها، أي النظام الأسدي، ومن دون تجفيف مصادر الإرهاب في الأنظمة القاتلة وفي الشبكات الظلامية التي تنتعش كلّ ما تفاقم العنف وطال أمد النزاعات...

يبقى أن لبنان الواقع على مقربة من دولة البغدادي، والمشارك أحد أحزابه في حرب النظام السوري ومجازره التي أتاحت لمسوخ الدولة "البغدادية" بالبروز والتمدّد، قد يتعرّف قريباً الى أمير الدولة المولّى عليه، بعد أن بدأ يتعرّف الى العنف الإرهابي المتنقّل بين طرقات وفنادق، في ظلّ عجز القوى السياسية عن إدارة أوضاعه وحماية المؤسسات الدستورية ومنع التهديدات الخارجية من التحوّل عناصر إنهاك وتهتّك وقُسمة داخلية إضافية.
زياد ماجد