Sunday, March 16, 2014

حزب الله وخصومه المتبدّلون

يعتبر كثرٌ أن حزب الله معنيّ منذ سنتين بمخاطبة جمهوره حصراً، إذ لم يعد يهمّه مرحلياً سوى الإبقاء على أكثرية الشيعة اللبنانيّين موالين له، محتشدين بعصبيّة حوله ودعماً لخياراته، لا سيّما تلك التي أفضت إرسالاً لآلاف المقاتلين ليقتِلوا ويُقتلوا في سوريا دفاعاً عن آل الأسد.

وِفق هذا الاعتبار، صار الحزب عبر أمينه العام يقتصر في كلامه على تقديم الذرائع التي يُمكن لمريديه تردادها دفاعاً عن مواقفه. كما صارت دعاية الحزب قائمة على نسج الأخبار وسردها بهدف المحافظة على تماسك الجماعة واستنفارها ضد "المخاطر" في لحظة تعرّضها لخسائر بشرية مرتفعة في سوريا، ولعمليات تفجير تُصيبها للمرّة الأولى منذ ربع قرن في لبنان. وفي ذلك ما يُفسّر ربّما تصاعد المذهبية في الخطاب وتحوّلها الى ركن أساسي من أركانه بعد أن كان حضورها حذِراً أو على الأقل مُضمراً.







لكن ما لا يتنبّه إليه الحزب وهو يقوم بذلك، وما يظنّه قابلاً للتعويض بمجرّد صدام جديد مع الاسرائيليّين على ما يقول أتباعه (في المكان والزمان المناسبَين)، هو أن صورته المذهبية وسمعته بوصفه ذراعاً عسكرياً إيرانياً صارتا راسختين في أوساط واسعة جداً من الرأي العام العربي واللبناني على نحو يبدو فيه كل تذكير بفلسطين رياءً واستجداءَ مشروعيةٍ متهاوية. ذلك أن المأزق السوري، في ما هو أبعد من مفاعيله العسكرية المباشرة على الحزب، ظهّر أولويّات الأخير وكشف الهشاشة السياسية والأخلاقية وطغيان البُعد المذهبي على مقارباته. وهذا ما لا يمكنه أن يظلّ بلا ردود سياسية وعسكرية مذهبية مضادة عليه.
بهذا المعنى، فإن ما يفوت الحزب في مسلكه السوري الراهن هو أنه يظنّه "مؤقّتاً" وخاصاً به دون المتلقّين، فيتوهّم أن الخصوم والجمهور العام ينتظرون عودته الى صورة كانت منسوجة له قبل سنوات وكانوا يتفاعلون إيجابياً معها (ويقدّمونها على الشؤون الخلافية) ليسامحوه، في حين أنهم في الواقع تبدّلوا وصارت لبعضهم مسالك وأولويّات جديدة، بمجملها صداميّة معه.


وسوء فهم الواقع الجديد هذا، أو الاستخفاف به، يعني حكماً استمرار الحزب في نهجه العدوانيّ الذي تخطّى الحدود اللبنانية، بعد أن طغى لسنواتٍ داخلها، وهو ما يُكرّس استعداءً لجماعات كثيرة ويُحدث المزيد من التحوّلات داخلها، دافعاً ببعضها نحو تبنّي الإرهاب أو التهليل له بوصفه ثأراً أو ردعاً أو الاثنين معاً.

حزب الله إذاً يعدّل من أولويّاته ويقدّم وظيفته العسكرية وتعبويّته المذهبية على السياسة التي اعتنقها لفترة. وخصومه القدامى والجدد يتغيّرون ويتكيّفون مع علاقته الراهنة بهم على وقع القتل ونزيف الدم فوق الأرض السورية. وكل ذلك سيدفع على الأرجح الى أنماط مواجهات وصدامات جديدة، لا يمكن لعاقل أن يشكّك بكارثيّتها على لبنان بأسره... 
زياد ماجد