Tuesday, March 4, 2014

سينما سوريا

تعرض محطّة "آرتي" الفرنسية الألمانية مساء اليوم الثلاثاء في 4 آذار فيلمين سوريّين. الأوّل للمخرج طلال ديركي هو "العودة الى حمص"، والثاني لمجموعة أبو نضّارة هو "سورية: يوميات الزمن الحاضر".
أهمّية عرض "آرتي" مبعثها قوّة الصورة في الفيلمين وقدرتها على نقل الواقع السوري أو جوانب كثيفة منه الى لغة عالمية (لغة السينما) لا يمكن أن تترك إنساناً "سليماً" حيادياً تجاهها.

ففي الفيلم الأوّل الذي يقدّم سيرةً سمعية بصريّة لعبد الباسط الساروت (حارس المرمى السابق والمغنّي والقائد الميداني) ومن خلاله للثورة السورية في مراحلها المختلفة، نقف على مَشاهد من مدينة حمص عامَي 2011 و2012 وبداية العام 2013، ونقف على الثورة بلحظاتها السلمية ثم نعيش بدايات انتقالها الى الكفاح العسكري وآلام هذا الكفاح وآمال القائمين به، ونكتشف من "الداخل" حياة شباب يتقدّمهم الساروت، في غنائهم وقتالهم وموتهم كأنّنا في بثّ مباشر، تماماً كما نرى دبّابات النظام وهي تنشر الخراب والدمار من حولهم في مدينتهم التي اكتشفوها واكتشفوا حبّهم لها بعد اندلاع الثورة.
ويمكن القول إن الصورة في "العودة الى حمص" تُظهر الحضور والغياب. فتتبّع الساروت منشداً مرفوعاً على الأكتاف ثم مقاتلاً ومصاباً ومنهكاً ورغم ذلك متحدّثاً عن المستقبل، فيها من سطوة الحياة وملحميّة الشخصية الساروتية وقوّة حضورها الكثير. أما صوَر المكان بشوارعه وبيوته المهجورة أو المحطّمة فتجعل الغياب مرافقاً للأحياء طوال الوقت، وتُحيل الى "العودة" (في العنوان) بوصفها تعاملاً مع الغياب أو محاولة لإنهائه بفعل الحياة والحركة الدائمة، كما بفعل تشبّث الساروت ورفاقه بها كلّما خرجوا من حمص بحثاً عن عون أو ذخيرة أو مددٍ يعيلهم على الاستمرار.


في الفيلم الثاني، "يوميّات الزمن الحاضر"، تُحوّل مجموعة "أبو نضارة" السينمائية أعمالها القصيرة الى توثيق روائي يعبُر سنوات الثورة الثلاث فتعبّر مشاهده المختلفة وشخصيّاته "العادية" (والاستثنائية في عاديّتها) عن واقع يعيشه أصحابه لحظة العرض في مكانه الأصلي، داخل المجتمع المكتشِف ذاته والمحوّل الكاميرا الى مرآة يراقب فيها مع الآخرين نفسه منذ استيقاظه قبل أكثر من ألف يوم.
ولعلّ المفارقة الصارخة بين مشهد البراميل المتفجّرة الملقاة على بلدات وأحياء سكنيّة من طوّافة تحلّق على وقع نشيد "نسور سوريا العرب" ويشعل الجندي فيها فتيل الموت بسيكارته في علاقة فظيعة بين بدائية الإشعال ونتيجته القاتلة وتكنولوجيا الطيران، ومشهد المواطن الراوي عن عودته عبر الحرّية الى الحياة في لحظةٍ تقصف خلالها طائرة بلدته فينتظر بصمت ثم يقول لمن خلف الكاميرا إن الاستمرار في التسجيل (والعيش) ممكن إذ أن الطائرة ستبتعد "لترتاح" قليلاً قبل أن تعود، لعلّ هذه المفارقة بين البرميل ومشعله والمواطن وكرامته تُظهّر كل الاختلاف بين النظام وآلة قتله والإنسان السوري الذي تسجّل الكاميرا "قيامته" أو بالأحرى قياماته المتتالية.

هكذا تنقل عدسات فيلمين صوَر الداخل السوري "الخاص" جاعلةً من خصوصيّته حالة إنسانية عامة. فيظهر الساروت بطلاً تتفوّق حقيقته على كلّ احتمالات المبالغات والأسطرة التي يمكن أن تُلصق به. وتظهر الشخصيات (المعروفة أو غير المعروفة إعلامياً) في كفرنبل والرقّة كما في حلب وفي مخيّمات اللجوء أو مواقع التهجير بوصفها حالات مواطنة سورية مستقبلية. ويمكن لأي إنسان في العالم التماهي معها في حال أراد أن تكون شاشته خلال مشاهدة الفيلمين نافذة الى السوريّين في معاناتهم وفي درب عودتهم الى حياتهم...
زياد ماجد