Saturday, January 11, 2014

الأسد - داعش أو الثورة

لطالما ردّد السفهاء (شرقاً وغرباً) مقولة مفادها أن الخيار في سوريا قائم بين نظام الأسد أو "الجهاديّين". وقد اتّخذ كثر من هؤلاء الأمر ذريعة اختبأوا خلفها لادّعاء حياد أو لإعلان تفضيل للأسد باعتباره "أهوَن الشرّين". كما أن بعضهم كان يبرّر للميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية غزوها لسوريا وقتالها الجيش الحرّ بحجة أنها تدافع استباقياً عن نفسها تجاه "تكفيريّين"، وأن الصراع في كل الأحوال مذهبي لا أثر لثورةٍ على الاستبداد فيه.
 والأنكى أن بعض المعارضين السوريّين ممّن يجرّمون الكفاح المسلّح ضد النظام (وكأن السلمية ما زالت خياراً ممكناً)، روّجوا بدورهم للمقولة المذكورة، وتجاهلوا حقيقة أن لا علاقة للجهاديين بالثورة السورية، وأن قتال هؤلاء - ممثّلين منذ تسعة أشهر بتنظيمهم "داعش" - استهدف كتائب إسلامية سورية وألوية جيش حرّ في أكثر من محافظة، ولم يستهدف النظام إلاّ نادراً. كما أن الأخير الذي يقصف المدنيّين ويدمّر أحياءهم منذ عامين، لم تضرب براميله مرة مراكز كبرى علانية لِداعش في الرقّة وسواها من مدن
 
بهذا، جرى عن عمدٍ خلط الأمور، وبدا النظام وحلفاؤه في مقلب و"داعش" (وقبلها "النصرة") متزعّمةً في المقلب الآخر. وقد ساعد تلكّؤ أجسامٍ معارِضةٍ سياسية وعسكرية في تحديد موقفها الواضح من"الداعشية" (خوفاً من بطش الأخيرة ومن تشتيت القوى إن وقعت المواجهة معها) في جعل المقولة البائسة حول "الأسد أو الجهاديّين" قابلةً للتصديق في أوساط غير قليلة من الرأي العام (في الدول الغربية كما العربية).
وإذا كان تغيير الصوَر النمطية والمواقف المُسقطة على الواقع السوري نتيجة المقولة المذكورة وبروباغاندا النظام المبنية عليها يتطلّب جهوداً كبرى، لم تُبذل بعدُ، فإن لا إمكانية لبذلها الآن من دون إقران ذلك بالتصدّي الميداني للسرطان "الداعشي" المتفشّي في أكثر من منطقة محرّرة، وإظهار أن مشكلته الفعلية هي مع الثورة وليست مع النظام، وأن المعادلة الحقيقية في سوريا هي اليوم إما "الأسد – داعش أو الثورة وإسقاط النظام وداعش معاً".فاستمرار نظام الأسد بعد قتله عشرات ألوف البشر سيخلق أكثر من حالة داعشية، وتكاثر الحالات الداعشية سيُعين نظام الأسد على الاستمرار وسيُشجّع غضَ النظر الدولي عن جرائمه. والبديل الفعلي لهذا الوضع المأساوي هو بالتالي طيّ صفحة الأسد – داعش نهائياً عبر مقاومة الطرفين.
 
والأمر بالطبع بالغ الصعوبة، وفيه استنزاف هائل للكثير من الفصائل المعارضة ولطاقات السوريين عامة، لكن لا مناص منه للخلاص من تلك المقولة المزوّرة وثنائيّتها وتظهير المعادلة الفعلية التي لم تعد سوريّةً فحسب، بل صارت عالمية أيضاً (رغم محاولات التملّص منها).
لكلّ هذا، فإن ما يجري في سوريا حالياً من دحرٍ لـ"داعش"هو في منتهى الأهمية، وستكون له آثار على مسارات مقبلة، بمعزل عن الخصائص الايديولوجية لبعض الفصائل "الثورية" المواجهة للتنظيم الجهادي. فالخصائص هذه، على خطورتها، تبدو في مرتبة ثانية في هذه اللحظة مقارنةً بالخصائص السياسية وبالانتماء الترابي والمنبت الاجتماعي للمقاتلين وجماعاتهم.
زياد ماجد