Tuesday, September 3, 2013

سوريا ومَسائل على هامش الانتظار

لم تحسم التطوّرات السياسية الداخلية في الولايات المتّحدة الأميركية الاتجاه الذي ستّتخذه الأمور في ما خصّ العملية العسكرية المتوقّعة ضد النظام السوري، خاصة بعد التراجع البريطاني نتيجة رفض مجلس العموم مشروع رئيس الحكومة، ونتيجة تصاعد النقاش في باريس حول المشاركة الفرنسية فيها.
وعلى هامش ذلك، يمكن الحديث عن مجموعة مسائل برزت منذ الإعلان عن احتمال الردّ الدولي على جرائم النظام السوري، ويمكن التوقف عند بعضها.


المسألة الأولى تحيلنا الى مدى التبسيط الذي تعتمده معظم القوى السياسية في منطقتنا تجاه ما تسمّيه "غرباً". فهي في الأغلب لا تهتمّ بأثر الرأي العام ووسائل الإعلام وكتل الضغط  في هذا "الغرب" وسبل التعامل معها، ولا بآلية عمل المؤسسات الدستورية وعلاقتها بإنتاج القرار، بل تكتفي باستخدام لمقولات حول المؤامرات والمكائد المنصوبة سلفاً، أو في أحسن الأحوال تلجأ الى استعارات سطحية لمنتقدي النظم "الغربية" من داخلها للتشكيك بديمقراطيتها، وتكتفي بالحديث عن "المصالح" و"النخب" من دون فهم أو محاولة فهم النظم السياسية والآليات القانونية (بفضائلها ومثالبها) القائمة. ولم تغيّر التجارب جميعها حتى الآن النظرة المسطّحة هذه


المسألة الثانية ترتبط بمدى تأثّر سوريا اليوم بعراق العام 2003. والتأثّر له وجهان. الأول في منطقتنا  حيث السائد أن "الغرب" الذي اخترع مبرّرات للحرب في العراق وتسبّب بكوارث ما زالت آثارها مستمرة، يحضّر اليوم الأمر نفسه لسوريا. والثاني في "الغرب" إياه حيث يعاني المسؤولون من عقدة العراق وسيرهم الى الحرب فيه، وحيث انتُخب رئيس أميركا لأسباب واحدها نيّته الانسحاب من العراق ووعده بأن لا حروب تخاض في عهده من دون موافقة برلمانية. وهذا يجعل السوريين يدفعون الثمن مضاعفاً: مرّة شعوراً بالعزلة في محيطهم، ومرة أخرى مواجهة لتردّد دولي تجاه التعامل مع مأساتهم المستمرّة منذ عامين ونصف.

المسألة الثالثة، تدور حول مفهوم "التدخّل الخارجي" التي ينبغي البحث  فيه ليس لما في استخدامه من ازدواجية معايير فحسب (كمثل أن التدخل الروسي والايراني والحزب-إلهي المستمر منذ عامين لا يعدّه البعض تدخّلاً، لكن التهديد الأميركي الفرنسي للنظام بعد استخدامه السلاح الكيماوي يُعدّ كذلك)، بل أيضاً لما في تمييز "الداخل" عن "الخارج" تدخّلاً حربياً (أو  حتى جرمياً) من سفاهة. فأن يقتل الحاكم "الداخلي" مئة ألف مواطن يبدو الأمر مقبولاً أو مدعاة تشاور وخطاب نبذ فتنة وحلّ ضمن "السيادة الوطنية". أما أن يطلق طرف "خارجي" صواريخ على مواقع عسكرية تنطلق منها نيران ذبحت عشرات الألوف من السوريين، بينهم مئات في أسلحة لم تُستخدم إلا نادراً منذ أكثر من قرن كامل (كانت جريمة صدام حسين في حلبجة ضد المدنيين الأكراد آخر استخداماتها)، فالأمر عدوان يتطلّب الاستنفار والتعبئة القومية والوطنية. وهذا لا ينفي أن مسألة التدخّل "الخارجي" إشكالية حين تتم من دون الأمم المتّحدة، أو حين تكون انتقائية. لكن انتقائيّتها أو اصطدام مساعيها الأممية بفيتو لا تعني أن مبدأها في ذاته مرفوض، خاصة تجاه حكّام ممتهني قتل وأكلة لحوم بشر.


في أي حال، ستكون الأيام المقبلة حاسمة على أكثر من صعيد. وسيتجدّد من بعدها البحث في ما ذكرنا وفي غيره من مسائل وقضايا قُيّد للسوريين في ثورتهم أن يصطدموا بها...
زياد ماجد