Monday, March 25, 2013

صوص ونقطة

لا أعرف ماذا تعني بالضبط عبارة "واقف عَ صوص ونقطة". لكنّي أردّدها كما كثر من اللبنانيين للدلالة على وقوف أمرٍ ما، هو بلدنا في أغلب الأحيان، على أهبّة الاستعداد للسقوط.

والناظر في المشهد اللبناني هذه الأيام لا يسعه إلا تخيّل الصوص والنقطة المذكورَين. ذلك أن كمّ الاحتقانات والأحداث والإشكالات والإدارة السياسية الفاشلة تعطي انطباعاً باتّكال البلد عليهما للبقاء فعلاً على "قيد الوقوف".
فمن الوضع الأمني الذي تُصدّعه أسلحة أهلية ومناوشات فتوّات أحياء واعتداءات خطيرة على مواطنين (مشايخ في الحالة الأخيرة)، الى الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي يتآكل والذي يفاقمه تراجع السياحة والاستثمار، الى الوضع الكهربائي الذي تَجاوز حدود الفضيحة، الى الوضع السياسي وما فيه من هواجس انتخابية بليدة وعجز عن سنّ قانون أو إدارة حوار، وصولاً الى مهزلة ادّعاء "النأي بالنفس" عمّا يجري سورياً في ظل أداء وزير الخارجية وفي ظل جنازات أعضاء في حزب الله سقطوا في القتال قرب القصير ودمشق، تبدو الهشاشة اللبنانية في أوجها، ويبدو البلد مفكّكاً لا يمنعه من الانفجار سوى ما تبقّى من خوف لدى بعض القوى الرئيسية فيه (ولدى عرّابيها) من عواقب ما قد تنزلق الأمور ببطء تجاهه.


وإذا كان التساؤل عن أسباب غياب مؤسّسات الدولة عن التّصدّي "المسؤول" لهكذا أوضاع يبدو ساذجاً متقادماً، فإن ما يصعب فهمه أحياناً هو غياب ردّات الفعل الشعبية، ولو المحدودة، على حالة الإفلاس التي دخلنا فيها. فإذا ما استثنينا بعض التحرّكات المطلبية النقابية، وهي في كلّ حال أفضل ما حصل في الشارع منذ سنوات، وإذا ما استثنينا معها المبادرات والاعتصامات الداعمة لحقوق المرأة والرافضة لاستمرار التمييز في القانون والممارسة ضدها، نجد أنفسنا أمام شبه فراغ لا تكفي الحيويّات الثقافية لملئه، ولا يمكن إحالة أسبابه للتعب وحده أو لفقدان الدوافع.
فثمّة أسباب أُخرى. أسباب مرتبطة على الأرجح باستمرار الاستقطاب الذي يؤمّن للنخبة السياسية الطائفية – حاكمة أو معارضة – مشروعية شعبية تعطّل التمرّد عليها. وثمة عادة تكرّست منذ عقود وصارت ثقافة لم تخرقها سوى لحظات نادرة، كلحظة 14 آذار 2005، ومفادها ترك المشاكل "للخارج" لحلّها والتفاوض بشأنها. وثمة انكفاء في أوساط المستقلّين عن النشاط العام واعتباره غير ذي طائل.

وهذا، إذا صحّ، يجعل البلد معدوم القدرة راهناً على النزول عن الصوص والنقطة.

فهل والحال كذلك نبالغ إن قلنا من جديد إن نظامنا السياسي بأكمله يُنازع، وإن دولتنا مجوّفة، وإننا ما زلنا نقبع في أسر مزدوج: أسر الداخل المتهتّك والخارج الفارض صراعاته واختلافاته على مسار الأمور جميعها عندنا؟
لا نظنّ ذلك، والإنتظار والمراوحة في أي حال هما ما سنستمر في اختباره في المقبل من الأيام.
زياد ماجد