Tuesday, February 26, 2013

إستهزاء

يقول مثقّفون إيطاليون إن واحداً من أبرز العوامل التي ساعدت سيلفيو برلوسكوني على البقاء في السلطة فترة طويلة، ثم على "الصمود" في الحياة السياسية رغم فضائحه ومواقفه المخزية، هو اكتفاء كثرة من الإيطاليّين بالإستهزاء به، مستكثرين عليه المعارضة رافضين اعتباره ندّاً أو خصماً جدّياً يخوضون المواجهات معه، ومنكفئين عن الساحة السياسية المتروكة له ولآلته الإعلامية ولأحزاب مترهّلة أو متشقّقة عاجزة عن مقارعته.

بالطبع ليس هذا العامل هو الأهمّ لتفسير سطوة برلوسكوني. لكنّه عامل يشير الى أنّ الخفّة التي لا تُحتمل لهذا الرجل، معطوفة على توقّع الناس إمكانية فعله أي شيء، تجعل الموقف منه يقوم في حالات كثيرة على السخرية والقرف من دون التصدّي الجدّي له ولما يمثّل من ثقافة فساد وإفساد، ومن دون المشاركة الفاعلة في الانتخابات لإسقاطه أو لدعم قوى يمكن أن تطوي صفحته...


هذه الحالة "الإستهزائية" التي أوجدتها البرلوسكونية ونجحت من خلالها في حصاد احتقار معنوي لا يُترجم على الدوام في صناديق الاقتراع أو في الفعل السياسي المباشر، لا نُبالغ إن قلنا إن في لبنان اليوم ما يُماثلها. ذلك أنه بالإضافة الى الضحالة والإفلاس السياسيّين السائدين واستعصاء القدرة على التعامل مع الصواريخ والأسلحة المذهبية المتراكمة بالحوار العقلاني، ثمة حالات كثيرة، وبعضها عظيم الخطورة، لم يعد يثير غير الاستهزاء والاستسخاف. فهل يستحقّ قانون الانتخاب مثلاً الذي يستعيد مفهوم مجالس الملّة العثماني ويعيد لبنان في ال2013 الى أواسط القرن التاسع عشر أكثر من التسفيه والاستهزاء؟ وهل يمكن ألّا يتملّك المرء الاستخفاف والذهول حين يسمع موظّفاً في الدولة اللبنانية (برتبة مفتي الجمهورية) يصرخ مهدّداً بالردّة من يوافق على قانون زواج مدني إختياري؟ وهل يشعر المرء بغير القرف حين يسمع مسؤولين يتحدّثون بلغة عنصرية وبجهل وغباء عن السوريين والفلسطينيين؟ وهل من سبيل لتجنّب اعتماد الاستهزاء ردّة فعل على حادثة مثل تلك التي حالت دون تزلّج الشيخ الأسير ومرافقيه فوق ثلوج كسروان؟ وماذا عن التصريحات السياسية والكتابات الصحفية التي تملأ الدنيا صراخاً وشتائم واتّهامات؟ هل يمكن لغير الضحك من خوائها وبلاهتها أن يكون ردّة فعل على انتشار ظاهرتها المرضيّة؟ يصعب ذلك... لكن المشكلة أن في تكاثر الردود الاستهزائية على أمور تراوح بين الأساسي والهامشي ما صار يوحي بانكفاء سياسي سبق وشهدناه في التسعينات وكانت نتائجه وخيمة، ويُخشى أن الانقياد إليه مجدداً قد يكرّس حال الانحدار السياسي الذي نعيش، فيترك للمنحدرين فيضاً من وقت ومتّسعاً من هوامش للمضي في سفاهاتهم.

ما العمل إذن؟ سؤال واجب طرحه كلّ فترة. وربما تكون الإجابة عنه أو على الأقل محاولتها، في إشهار الاستهزاء إياه واعتماده منطلقاً للنشاط، بدل الانكفاء، وأطلاقاً للحملات المواطنية الصغرى والكبرى ضد السائد وأسياده. فإن كان هؤلاء – سياسيّين ورجال دين - يستحقون الاستهزاء والسخرية، فإن قسماً كبيراً من الناس من حولهم يستحق بعض الأمل...
زياد ماجد