Tuesday, October 16, 2012

النبوءة الذاتية التحقيق

بعد مرور تسعة عشر شهراً على اندلاع الثورة في سوريا، مظاهراتٍ سلمية لأشهر ثم كفاحاً مسلّحاً يواكب السلمية ويطغى غالباً عليها، يتكاثر أتباع النظام أو مدّعو الحياد و"المعارضة الشريفة" ممّن يكرّرون: "ألم نقل لكم إن الثورة سلفية وطائفية؟ ألم نشدّد على كونها مؤامرات وتصفية حسابات دولية على حساب سوريا؟ ألم ننبّهكم الى أن الجهاديين سيُدفع بهم الى الأرض السورية لتمزيقها؟" ويستوي هؤلاء في ما يردّدونه، سوريّين كانوا أو لبنانيين أو عرباً أو "غربيين". كما يُضاف إليهم بعض مدّعي "الخبرة" والعلم في الشؤون العربية والإسلامية من صحافيين وباحثين. 

على أن التدقيق في ما يقولونه اليوم، والبعض يقوله أساساً (تماماً مثل النظام) منذ اليوم الأول للثورة في آذار 2011، لا يُظهر نفاقاً وبروباغندا فحسب، بل يُظهر أيضاً ما يُسمّى بالفرنسية La prophétie auto-réalisatrice، أو "النبوءة الذاتية التحقيق".
وهذا يعني في ما يعنيه إطلاق مواقف وتصنيفات تجاه حدث معين، والتركيز عليها دون كلل وملل، حتى إذا "ظهر" بعد زمن ما قد يشي بوجود عناصر وأحداث مرتبطة بها، جرى اعتبار الأمر دليلاً على سلامة التقدير منذ البداية. والمسألة لا تتوقّف عند هذا الحد. فثمة من يعمل عادة ليجعل نبوءته محقّقة ميدانياً، كأن يُطلق سراح جهاديين كانوا في سجونه منذ انتهاء وظيفتهم العراقية مثلاً، أو أن يستخدم فائضاً من العنف البربري ليدفع الى أعمال انتقام تتّخذ من بربريّته بعض سماتها، أو أن يوظّف شبيّحة من طائفة معيّنة ويرسلهم لإعمال الذبح والاغتصاب حتى إذا ما جرت ردود أفعال على فظاعاتهم اتّخذت بُعداً وخطاباً طائفيّين...


وما ذُكر لا ينفي وجود مقوّمات التمترس المذهبي أو العنف في سوريا بعد 42 عاماً من الاستبداد الأسدي، ولا يقلّل من قدرة بعض الجهاديين في ظل الوضع الإقليمي القائم على الوصول للقتال فيها. وهي بالطبع بداهةٌ أن الصراعات الدولية تجد لها متنفّساً وحسابات في "الساحات" المشتعلة. كما أن طول مدّة أي نزاع وضراوة العنف فيه لا يمكن أن تُبقي ديناميّاته وأشكال الانخراط فيه بمنأى عن التبدّل بين شهر وآخر...

لكن استخدام النبوءات-الذرائع لتبرير المواقف في حالات بعض الأفراد، أو حتى التردّد وعدم التدخل والتمنّع عن تصعيد الضغط على النظام وتسليح "الجيش الحر" في حالات أكثر الدول والمنظومات، إنما يساهم في تحويل النبوؤات نفسها الى وقائع وعناصر مؤثّرة في الصراع، ويجعل الطريق الى الحرب الأهلية الشاملة كما الى الفرقة المذهبية وتزايد العناصر الجهادية أقصر وأسرع. وبهذا، يصبح الحياد والشللُ خوفاً من احتمالات تحقّق النبوؤات تسريعاً لتحقّقها ووقوعاً في فخّ ما أراده صاحبها ومُريدوها.

في كل الأحوال، لا يغيّر كل ذلك من أن المعادلة في سوريا ما زالت اليوم كما كانت منذ أشهر (وسنوات وعقود): أكثرية شعب تواجه واحداً من الأنظمة الأبشع والأكثر إجراماً فوق المعمورة، وأن المواجهة هذه في مختلف أشكالها ومآسيها لن تتوقّف قبل حسم أمرها. وكلّما جرى دعمها لإنهاء مهامها بسرعة كلّما كانت الأضرار والبشاعات وتحقّق "النبوءات" الناجمة عن تطوّراتها أقل، وكلّما جرى توفير دماء وخراب وآلام على السوريين، وعلى جيرانهم والعالم....
زياد ماجد