Thursday, November 10, 2011

عن "التراجع" اللبناني

يتساءل كثر من اللبنانيين عن أسباب التردّي الذي يصيب بلدهم سياسياً، في وقت تتقدّم مجتمعات عربية عدّة في محيط لبنان المباشر، على رأسها المجتمع السوري، بثبات نحو إنهاء عقود من الاستبداد والظلامية، وفتح صفحات جديدة في تاريخها.
ولعل التوقف عند أربع قضايا يفيد لتفسير التراجع اللبناني الراهن، الذي يبدو استثناءً في المشهد العربي الفائض الحيوية.

- القضية الأولى، هي قضية النظام السياسي الذي يقدر رغم ضعفه الظاهر على تقييد الحياة السياسية وخنقها. ذلك أن التوافقية المفترضة فيه وما تمليه من تشارك في السلطة على أساس تمثيل الجماعات لطمأنتها، تحوّلت مع كل خلاف وضعف إجماع الى تشارك في ممارسة "حق الفيتو" لتعطيل الدولة باسم الطوائف، وتحويل المؤسسات الدستورية الى ملكيّات مذهبية يتمترس خلفها سياسيون محوّلين كل مواجهة عبرها الى مواجهة أهلية فيها "حقوق الجماعة" و"كرامتها" و"دورها".

- القضية الثانية، هي قضية الطبقة السياسية وارتباطاتها داخلياً وخارجياً. فهي طبقة قائمة على مبدأ الرهان شبه الدائم على تدخّل الخارج في شؤونها تبعاً للتحالفات، نصرةً لمكوّناتها المتصادمة، أو وساطة في ما بينها. كما أن هشاشة إجماعاتها الوطنية تتيح للخارج تحويل مسرحها السياسي الى مسرح دائم له لتصفية حسابات تكتيكية أو استراتيجية. والأخطر أنها طبقة يملك معظم أقطابها مشروعية شعبية داخل طوائفهم تحوّل علاقاتهم العضوية بالخارج علاقات لكتل كبرى بهذا الخارج واستعداداً لموالاته أو مجابهته من خلال مجابهة حلفائه المحليين الآخرين.


- القضية الثالثة، هي قضية فقدان التوازن الداخلي منذ العام 2008 نتيجة استخدام طرف طائفي (وديني) السلاح الذي يحتكر ملكيّته بين الجماعات اللبنانية لتعديل قواعد اللعبة السياسية. وهذا الطرف – حزب الله – نجح نتيجة قوّته العسكرية (والمالية والتنظيمية) ونتيجة الديموغرافيا الداعمة له في فرض أكثر شروطه على المنافسين المحليّين الآخرين بوسائل أبعد ما تكون عن الديمقراطية. لكنه لم ينجح، مع ذلك، في تطويعهم، بل دفعهم نحو المزيد من التكتّل ضدّه والخوف منه وانتظار تبدّلات خارجية تضعفه وتعدّل من موازين القوى الداخلية لِغير صالحه.
- أما القضية الرابعة، فهي تعب الفئات المجتمعية والنخب المستقلة أو الإصلاحية أو حتى المنحازة الى هذا المعسكر أو ذلك لأسباب غير طائفية/مذهبية. فالفئات والنخب هذه صارت على ضجر وترحال وملل من المفردات السياسية وتناسل الاصطفافات وبهتان مواقفها. وصارت ترى في الربيع العربي وما يولّده من آمال وانفعالات وتحدّيات مجالاً لها للتعاطي مع الشأن العام وفضاءات التواصل الاجتماعي، بعيداً عن يوميّات بلدها وسجالات السياسيين فيه وإسفافها.

بهذا، وبغيره من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، تذبل السياسة وشؤونها في لبنان منذ سنوات، ويحلّ خريفها في وقت ما زالت براعم الربيع العربي تعِد بمخاضات وولادات ومواجهات تُعيد تعريف السياسية وشروط التعاقد الاجتماعي و"الوطني"...
الأمل، كل الأمل، أن يكون للبناء العربي فوق ركام الأنظمة الاستبدادية أثره الإيجابي في لبنان، ليبدأ أهله بتطارح الأسئلة الجادة حول ما يريدون، وما لا يريدون، وحول ما يستطيعون إليه سبيلاً.
زياد ماجد