Tuesday, September 13, 2011

عن خوف الأقلّيات


تعكس مسألة "خوف الأقلّيات"، التي يهجُس بها بعض رجال الدين وعددٌ من القوى السياسية في لبنان ويشهرونها موقفاً تجاه الثورة السورية، ثلاث أزمات.

الأزمة الأولى أخلاقية، إذ إن "الخوف" (أو ادّعاءَه تغطيةً على تعصّب طائفي وكراهية) يدفع القائلين به الى دعم الجرائم وتحميل الضحايا مسؤولية النيران المتدفّقة على صدورهم، بحجّة أن القتَلةَ "مذعورون" والقتلى "متطرّفون" إن انتصروا هدّدوا المنطقة بأكملها، وأقلّياتها خاصةً، باستبدادهم وديموغرافيّتهم. وفي هذا ما يشبه الدعوة للتنكيل بالأكثرية ودعم المنكّلين بها بحجة القلق على المصير إن هي حكمت!


الأزمة الثانية سياسية، إذ إن الخائفين يجاهرون بعدائهم للديمقراطية ومبادئها، ويعلنون انتسابهم الى معسكر القمع والمخابرات التي يُؤثرون "استبدادها الواقعَ والملموس" على ما يعتبرونه "استبداداً إفتراضياً مُقبلاً"... والأنكى أنهم إذ يحاولون التذاكي فيتهيّبون الفوضى، يبدو وكأن سقوط 3000 قتيل واعتقال وتعذيب وجرح وتهجير عشرات الألوف هو بِعِرفهم استقرار مطمئن يُبعد الهواجس عن "الأقليات".

أما الأزمة الثالثة، فثقافية. ذلك أن منطق "الأقليات والأكثريات الدينية" أصلاً يُحيل المواطنين والمواطنات الأفراد الى أعداد مجرّدة من كل خيار وإرادة ومصلحة وهوية مركّبة، ويجعلهم بالتالي أرقاماً يكبّرون أو يُصغّرون كتلَ انتماءاتهم الأوّلية المتوارثة. وهذا في ذاته ينافي مبدأ الحرية وقيمة الإنسان الفرد وحقوقه السياسية والمدنية. 

على أن الأهمّ، هو أن منطق الخوف والتقوقع وموالاة الظلم يُناقض تراثاً غنيًّا كان لأفراد "أقلّويين" تصرّفوا كأحرار مساهمات هائلة فيه، في سوريا ولبنان تحديداً. ترجموا وألّفوا وتمرّدوا وجدّدوا ووثّقوا وعمِلوا لإعلاء قِيم الحرّية والتّقدم والنهضة وتعميمها في مجتمعاتهم (وما زالوا). وفي البؤس "الأقلّوي" الراهن ما يُسيء لهم ولتراثهم وريادتهم...

هكذا إذن، يتخبّط "الخائفون" ومدّعو الخوف في أزماتهم، ويتنصّلون من مبدأ المساواة في الإنسانية مع من يعتِبرونهم أكثريّات مخيفة. وعِوض الدفاع عن الديمقراطية والتمسّك بحقوق الإنسان وحكم الحق والقانون بوصفها ضمانات لجميع المواطنين والمواطنات (في وجه أي طغيان أو هيمنة)، يتكتّلون في تصنيفات لا تفعل سوى تكبير الأوهام، وتطويل المآسي وتعميق الجراح. وكل هذا يعمّم الضرر في الصفوف الأقلّوية والأكثروية على حدّ سواء...
زياد ماجد