Tuesday, August 23, 2011

تفكيك الفخّ الليبي

مع سقوط النظام الليبي، تُطوى صفحة عميد الطغاة العرب، ونرى أنفسنا أمام اكتمال نموذج جديد من نماذج الثورات والانتفاضات في هذا الربيع العربي.
فبعد تونس ومصر حيث تهاوى نظامان أمام مظاهرات واعتصامات سلمية ضخمة، وبعد البحرين حيث نجح النظام في خنق الانتفاضة مؤقتاً والتنكيل بقادتها، وبعد اليمن حيث تستمر المظاهرات والمواجهات ويستمر تداعي السلطة المركزية ولو من دون انهيار النظام واستقالة رئيسه "الجريح" المقيم في السعودية، وبعد سوريا حيث يواصل المنتفضون كفاحهم السلمي ضد أكثر الأنظمة عنفاً ووحشية، تأتي ليبيا بكونها موقعة حسم عسكري تلا انزلاق الثورة من مظاهرات واعتصامات شعبية الى حرب استمرّت أشهراً وانتهت الى انهيار آلة القتال القذافية بعد التدّخل العسكري الأطلسي بموجب قرار أممي.



عليه، نحن في هذا المشهد العربي أمام حالة مصرية تونسية لم تتكّرر، نجحت فيها ثورتان شعبيتان سلميّتان في دفع حاكمين مستبدّين الى الرحيل بعد انفكاك المؤسستين العسكريتين عنهما لإدراكهما استحالة القمع وإيثارهما (بين أسباب عديدة) "الدولة" على "النظام". ونحن كذلك أمام حالة بحرينية مُنيت فيها الثورة بضربة قاسية أنهت فاعلياتها مرحلياً نتيجة الانقسامات العامودية (المذهبية) داخلياً، والتدخل الأمني والسياسي (درع الجزيرة) خارجياً. ونحن أيضاً أمام حالة يمنية يتشارك فيها القبلي – الأهلي بالسياسي وتتفكّك أكثر فأكثر عرى الدولة المركزية من دون قدرة حسم للثورة الرافضة بأكثر مكوّناتها الذهاب الى المواجهة المسلّحة، وبقايا النظام المتحصّنة خلف الحرس الجمهوري وبعض التحالفات القبلية المصرّة الى الآن على عدم الانكفاء عن دعم الرئيس وشبكاته السلطوية. ونحن الى ذلك أمام حالة سورية استثنائية حيث جرائم النظام وهمجيّته لم تُضعف زخم الثورة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على اندلاعها، وحيث الثورة نفسها لم تتخلّ عن السلمية والنفس الطويل أفقاً وحيداً لمواجهة المؤسسات الأمنية والعسكرية "المصنوعة" منذ العام 1970 للدفاع عن النظام بعائلته الحاكمة وليس عن الدولة.
أما الحالة الليبية التي نشهد آخر فصولها، فهي حالة انتفاضة قرّرت التحوّل الى السلاح لمواجهة بطش الآلة القمعية، المكوّنة من أجهزة رسمية وميليشياوية صُمّمت - كما في الحالة السورية - لحماية العائلة الحاكمة وليس الدولة أو ما يشبهها في جماهيرية العقيد. وهي حالة استقطبت اهتماماً دولياً سريعاً أفضى تدخّلاً عسكرياً ضد النظام لأسباب عديدة أهمّها – وبعيداً عن تبسيطية الحديث حول الأطماع الغربية في النفط وكأنه لم يكن متوفّراً لشركات الغرب أو كأن العقيد نفسه لم يكن ينفق منذ منتصف التسعينات مليارات الدولارات في الغرب يمنة ويساراً! – ارتباك أوروبا (وفرنسا على وجه الخصوص) بعد تردّدها في تونس ومصر في دعم الثورتين وحاجتها إثر فهم الدوائر السياسية فيها لجدية الظاهرة الربيعية العربية الى الالتحاق بركبها من البوابة الليبية، وخشيتها من تحوّل الثورة الى نزاع مفتوح "يُصومل" البلاد المتاخمة لها وما يعنيه الأمر من فلتان أمني وهجرات، إضافة طبعاً الى البحث عن تأسيس مصالح ومراكز نفوذ لها في بلاد مجاورة ستخرج من 42 عاماً من الخنق والعزل (والأمر الأخير ينطبق بطبيعة الحال على الولايات المتحدة كما على كل الدول الكبرى).

ما يمكن استنتاجه من كل هذا حتى الآن، أن الربيع العربي مستمر ويأخذ أشكالاً وأنساقاً مختلفة؛ وأن الفخ الليبي الذي كاد يبتلع فيض تونس ومصر على محيطهما على وشك التفكّك ولو بعد عمليات عسكرية شارك فيه الأطلسيون على نحو حاسم؛ وأن تفكيكه سينعكس إيجاباً على المنطقة ككل. ولعلّ ذلك سيكون شديد الوضوح في سوريا ليس فقط لتشابه نظامي طرابلس ودمشق تكويناً عائلياً وثقافة عنف وأخوّة استبداد، ولا حتى لجرعات الأمل المستمدّة من مشهد تهاوي طاغية عمره في السلطة من عمر آل الأسد تقريباً، بل أيضاً نتيجة ما سيتبدّل في المواقف الإقليمية والدولية تجاه استمرار القتل والترويع في سوريا التي كانت التسويات حول ليبيا تحول دون تبلورها على نحو حاسم.

سقوط معمر القذافي وأبنائه هو إذن فصل جديد من فصول حكاية بدأها البوعزيزي بإتلاف جسده ليشعل شرارة المرارة والقهر والغضب المستوطنة في هذه المنطقة. وتردّد صدى السقوط سيعجّل في إسقاط أشباه للعقيد في حاضرة أو أكثر...
زياد ماجد