Tuesday, August 9, 2011

الدم السوري يفرض التغيير

يخوض الشعب السوري منذ أكثر من 130 يوماً ثورة ضد نظام دكتاتوري هو الأعتى والأكثر دموية في المنطقة.
يواجه آلة صمّاء متمرّسة في سفك الدماء، ويصرّ رغم كل المآسي والآلام على سلمية انتفاضته مبتكراً في ظلّها أشكال تعبير سياسي وثقافي وفني وتضامني مدهشة في غِناها، وفي قدرتها على محو آثار عقود من القمع والكبت والخوف ببضع كلمات وشعارات ونشاطات.


على أن الشعب السوري يواجه أيضاً منذ انطلاق ثورته وضعين عربيّين ودوليّين بالغي التعقيد.
فعربياً، تعاملت أغلب الحكومات مع الوضع السوري على أساس الحياد أو دعم النظام لأسباب مردّها الخوف أو الانشغال بقضايا وتحدّيات داخلية أو الأخوّة في الاستبداد.
ودولياً، آثرت جميع الأطراف النأي بنفسها عن المواقف الحادة ضد النظام ورئيسه، وهو ما يُعدّ استمراراً في الاعتراف بشرعيّته رغم التنديد بسلوكه، وفضّلت إعطاءه فرصة "لينهي" الاحتجاجات من جهة ويقوم ببعض الإصلاحات من جهة ثانية. وأسباب الحذر الدولي هذا مرتبطة بعاملين أساسيين: الأول، موقع سوريا الجيو-سياسي وحدودها مع تركيا والعراق وإسرائيل ولبنان، والخوف من تراجع قدرة السلطة المركزية فيها على ضبط هذه الحدود وما يعنيه الأمر أمنياً، خاصة بالنسبة لإسرائيل. والثاني الخلافات التي يمكن أن يحدثها الموقف من سوريا بين الكتلة الغربية من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية، مما قد ينسحب على قضايا عدة يحرص "الغرب" على التفاهم حولها منها إيران وكوريا الشمالية والجوار الروسي غرباً، ومنها أيضاً ليبيا التي صارت مأزقاً سياسياً وعسكرياً يصعب التعامل معه من دون تفويض أممي جديد يبدو صعب المنال.


لكن هذه الصورة بدأت بالتغيّر عربياً ودولياً منذ عشرة أيام. ويجوز القول إن مجزرة حماة عشية رمضان والمجازر التي تلتها في أيامه الأولى في دير الزور والحولة والعديد من المدن والبلدات شكّلت نقطة التحوّل الأساسية. ذلك أن فيديوهات الناشطين وصورهم كما شهاداتهم وثباتهم رغم الموت والنار، مترافقة مع الدعاية الرقيعة للنظام السوري وتشويهه الفاضح للأمور، دفعت أكثر من طرف الى القول إن الصمت لم يعد ممكناً وإن الوضع الحالي المرشّح للاستمرار صار بذاته مقلقاً أمنياً وسياسياً. وهذا ما أدّى الى تصاعد المواقف الاوروبية والأميركية والتركية المندّدة ، وتغيّر النبرة الروسية بعض الشيء، ثم الى كلام ملك السعودية واستدعاء دول مجلس التعاون الخليجي السفراء في دمشق "للتشاور".
ولا يمكن بعد بدء التحوّلات هذه، وبعد صدور البيان عن مجلس الأمن رغم هزالته، أن تعود الأمور (دولياً على الأقل) الى الوراء، أو أن يعود الصمت المتواطئ ليسود من جديد. ثمة مسار تصعيد ديبلوماسي واقتصادي سيتطوّر ضد النظام السوري في الأيام والأسابيع المقبلة على الأرجح. والأهم من ذلك، ثمة شعب لم يثنه صمت العالم عن مواجهة القمع بصدوره العارية، فكيف وهو صار اليوم يجد لبعض معاناته صدى في أكثر من بلد ومحفل؟

هو الدم السوري الغزير يفرض نفسه إذن، ولا حرج من أي موقف عربي أو دولي ضاغط على النظام الذي هدره. فالثورة السورية استمرت لأشهر قبل هكذا موقف وستستمر من بعده، ووحشية النظام وهمجيته سابقة عليه ولاحقة، وما يهم اليوم هو فقط تقليص المسافة الفاصلة سوريا عن الحرية، وبأقل كلفة ممكنة...
زياد ماجد