Wednesday, May 18, 2011

مسيرة العلمانيين 2

ليس مستغرباً أن يتراجع حجم مسيرة العلمانيين الثانية مقارنة بسابقتها، ويجب ألا يكون الأمر محبطاً لدعاتها ومنظّميها. ذلك أن أمرين أساسيين حصلا منذ مسيرة العام الماضي أفقداها بعضاً من وهجها و"فرادتها".


- الأوّل هو أن جانباً من نجاح المسيرة الأولى ارتبط بتوقيتها وجِدّتها في لحظة لبنانية كان السأم فيها من الطبقة السياسية قد بدأ يتصاعد، وفي لحظة عربية لم يكن فيها ما يوحي بالعواصف المقبلة. لذلك بدت المسيرة في ذاتها موعداً إستثنائياً للتعبير عن الحاجة لحيوية جديدة ولممارسة مواطنية ولخروج من رتابة الفرز لبنانياً ما بين معسكرين ولغتين تعبويّتين (رغم وجاهة بعض أوجه الفرز المذكور)، في منطقة عربية ساد الموات والركود والاستبداد فيها.
لكن اللحظة المذكورة لم تعد قائمة هذا العام لا في لبنان ولا في المنطقة. فلبنانياً، تعدّدت التحرّكات والحملات المدنية ولم تعد مسيرة العلمانيين استثناءً. كما لم يُبرِز منظمّوها ما يكفي للتمايز عن سواها، على الأقل بالنسبة للجمهور الواسع، ولكثر ممّن شاركوا العام الماضي. وعربياً، صارت مقارنة أي سجال لبناني أو قضية سياسية (وحكومية) محلية بما يجري من ثورات ومن انتفاضات ومن تضحيات وبطولات – خاصة بالنسبة للجمهور غير الملتزم بعدّة الطوائف وعصبياتها – تُظهر خفّة الطبقة السياسية اللبنانية وسماجة لغتها، ولا تدفع المرء سوى لحصر وقت متابعة الأخبار بما يجري خارج "حدوده الوطنية". وهذا يُبعد كثراً في المرحلة الراهنة عن أي حدث لبناني، حتى ولو كان "مميّزاً" كمسيرة العلمانيين.


- والسبب الثاني مردّه أن حملة "إسقاط النظام الطائفي" التي سبق ونظّمت هذا العام خمس مسيرات خلقت – على مشروعيّتها - لغطاً وانقسامات وبدت في آخر مسيرتين تحرّكاً سياسياً مباشراً يختار صور الزعماء الذين "يريد إسقاطهم" فيستثني منهم واحداً (هو بالمناسبة الأكثر طائفيةً ودينيةً!)، أو يدافع عن تجنيب "السلاح الطائفي" مطلب الإسقاط بحجة "مقاومته"، في وقت لا يمكن لرصين ألاّ يفهم مؤديات وجود سلاح عند فريق طائفي بحاله على مساقات الطائفية نفسها في لبنان وعلى عصبيّاتها ونظامها. هذا علماً أن مقولة "إسقاط النظام الطائفي" تستوي بمقولة "إلغاء الطائفية"، وهي مقولة تحتاج لنقاش مستفيض. ذلك أن الطائفية والنظام الطائفي ليسا جسمين مجرّدين ومستقلّين عن بنية المجتمع وعن مؤسساته الأهلية وشبكات الزبائنية فيه وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية. والحديث عن "إسقاطهما" لوحده يبدو تسطيحاً للمسألة الطائفية في لبنان لا يختلف في أحيان كثيرة عن التسطيح المضاد، أي ذاك المنادي بالطائفية باعتبارها صنو "التعايش" والتوافق وحماية التوازنات والأقليات، إلخ... وربّما لم يُحسن أهل "مسيرة العلمانيين" تمييز أنفسهم كفاية عن هذا السياق، ولا بلورة خطاب يظهّر الفارق بوضوح بين العلمانية التي ينادون بها وبين ما تطرحه الحملات الأخرى.

رغم ذلك، لا بد من تثمين الجهود المبذولة جميعها، بما فيها تلك التي يبدو عليها بعض التخبّط السياسي. فهي تحاول كسر جمود، وهي تطرق أبواباً وتُراكم خبرات ينبغي لأي معنيّ بالشأن العام محرّراً من سطوة الكتل الصمّاء الاستفادة منها... فشكراً لمسيرة العلمانيين 2، وعلى أمل أن تكون المسيرة 3 أكثر نجاحاً واستقطاباً.

زياد ماجد