Tuesday, April 19, 2011

عرب، تويتر، فايسبوك ويوتيوب

يحقّ للجيل الجديد من المواطنات والمواطنين العرب (وقبلهم الإيرانيين) أن يتباهى بأنه أعطى لمواقع التواصل الاجتماعي ولبعض الفضاءات الافتراضية على الشبكة العنكبوتية وظائف ومعاني لم تكن على الأرجح ببال من صمّمها أو اخترعها.


فثورتا تونس ومصر، ومن بعدها ثورات اليمن وليبيا وسوريا المتواصلة، وانتفاضة البحرين المقموعة، وحركات الاحتجاج والمطالبة بالإصلاح المغربية والجزائرية والأردنية والسعودية والعُمانية، وقبلها جميعها مظاهرات إيران ضد تزوير الانتخابات، أديرت بواسطة كمبيوترات وروابط إنترنت وهواتف محمولة بكاميرات. وهي أتاحت لأفراد ولمجموعات صغيرة الإتصال بملايين الناس وإشراكهم في أحداث وأفكار ومشاعر وانفعالات، من خلال تملّك الحسابات المجانية في خدمات المدوّنات وصفحات الفايسبوك والتويتر واليوتيوب وغيرها من فضاءات التواصل الاجتماعي ومساحات التفاعل التي اخترعتها تكنولوجيا المعلوماتية ووفّرها عصر العولمة الذي نعيش.

بهذا المعنى، يمكن القول إن الإيرانيين منحوا "التويتر" وظيفة سياسية نبيلة منعت النظام في طهران من التعتيم على المسيرات الشعبية الرافضة لمصادرته السلطة بالتزوير، وعلى الجرائم التي ارتكبتها أجهزته ضد المتظاهرين؛
وإن التونسيين والمصريين قدّموا "للفايسيوك" هويّة جديدة تنقله من حيّز العلاقات واستعراض الخصوصيات والتعبير الحر (على مشروعيتها وأهميّتها جميعها) الى حيّز التحريض على الثورات ورفض المظالم وترجمة الافتراض المشتهى الى واقع يزيح العالم النقيض السابق ويقيم مكانه ما يشبه الافتراض نفسه.
ويمكن القول كذلك إن السوريين أضافوا الى هوية الفايسبوك الجديدة هذه، هوية أخرى منحوها هذه المرة "لليوتيوب"، إذ عوّض الأخير غياب الصحافة المستقلة في جمهورية الصمت والخوف السورية، ونقلَ أفلاماً التقطتها هواتف الثوار تُظهر كل ما تريد السلطات حجب ظهوره: شجاعة المتظاهرين وكسرهم القيود والتماثيل، وإجرام رجال الأمن والمخابرات. وهكذا، صار الإعلام ينقل عن اليوتيوب، وصار الهارب من مسؤولية نقل الخبر بحجة غياب الصور ملزم بالعودة الى الحدّ الأدنى من أخلاقيات المهنة نتيجة قوة حضور الناس بوجوههم وأصواتهم ولون دمائهم على مواقع تحميل الأفلام القصيرة المنتشرة والمحاصرة كل إعلام مقصّر.

وإن أضفنا الى كل هذا، أن التويتر والفايسبوك واليوتيوب كما المدوّنات وبعض المواقع الأخرى أتاحت تبدّلاّ جذرياً في العلاقات الإنسانية وسمحت بمقدار عال من الحرية، وبإمكانات الاختلاط الطبقي والجنسي والسياسي في مجتمعات تخنق النظم فيها أكثر الحريات الجماعية والفردية، وقفنا على بعد ثوري جديد لهذه الخدمات "العنكبوتية" يصعب أن تعود المنطقة والعالم من بعدها الى ما كانت عليه قبل اختراعها وتطوير مجالاتها ومسالكها.

يكفي أن نتخيّل الرعب المصيب أنظمة كان مجرّد ذكر لفظة "مخابراتها" يثير القشعريرة في نفوس مواطني بلدانها، وهي تسأل سجناءها ومعتقليها الجدد عن كلمات المرور لحساباتهم في الصفحات المذكورة، ويكفي أن نسمع أحد الرؤساء العرب "الشباب" وهو يقول "إن الوضع صعب بسبب انتشار الانترنت" لنفهم أي منقلب انقلب الاستبداد مع هذه المنتجات ومع توظيف جيل عربي (وفارسي) جديد لها في توقه لانتزاع حقوقه وتغيير أحواله.

هي إذن مصالحة جدّية مع أحد فروع "الحداثة"، وهي بداية النهاية للانغلاق والقمع والظلامية التي لطالما كمّت الأفواه في هذه المنطقة من العالم. فشكراً للتويتر والفايسبوك واليوتيوب التي أتاحت شياطينها لعقول وأحلام في تونس والقاهرة ودمشق وغيرها من الحواضر المخنوقة أن تتنفّس افتراضياً في غرف صغيرة، ثم أن تتنشّق هواء حقيقياً في ساحات كبيرة، وأن تعيد – في طريقها من الغرفة الى الساحة - تعريف التكنولوجيا وبعض وظائفها...

زياد ماجد