Wednesday, June 17, 2009

باحثون وصحافيون أسقطهم سقوط حزب الله

يحاول بعض الصحافيين والباحثين السياسيين الفرنسيين والأميركيين، كما بعض اللبنانيين المقيمين في عواصم غربية، ممّن جزموا بفوز حزب الله وسائر قوى 8 آذار في الانتخابات النيابية (نتيجة الدراسات الإحصائية المخادعة من جهة، ونتيجة تمنّيهم ذلك وتحويلهم التمنّي الى نظريّات واستشارات من جهة ثانية)، يحاولون التعويض على فشلهم الانتخابي وعلى تهافت الآراء التي قدّموها في تقارير ومقالات كتبوها، عبر التساؤل عمّا إذا كان حزب الله قد أراد فعلاً الفوز في الانتخابات!
على أن تساؤلهم، وبعيداً عن خفّته الشبيهة بخفّة توقّعاتهم الخائبة (ويكفي التدقيق في الأرقام القياسية للمشاركة الشيعية في مختلف الدوائر، لا سيما تلك المختلطة والساخنة، لمعرفة مدى استنفار حزب الله وتعبئته القصوى بهدف الفوز الصريح بالانتخابات)، يسلّط الضوء على قضيّتين يفيد التوقّف عندهما.

- القضية الأولى، مرتبطة بثقافة إستشراقية يتشارك فيها بعض "اليسارويين" الغربيين (ممّن يصفّقون لأي تجمّع أو قوة في العالم تشتم الولايات المتحدة أو تهجوها) وبعض مواطنيهم اليمينيين (ممّن يريدون التأكيد عند كل استحقاق انتخابي في بلادنا أن مجتمعاتنا لا تختار إلا العنف والتطرّف وأنها ثقافياً غير مهيّأة للانخراط في مسارات ديمقراطية تتيح للمواطنية أن تترسّخ). هؤلاء جميعاً لا يريدون لنموذج لبناني أن يتطوّر، ويصدمهم أن ينتخب مئات ألوف النساء والرجال لوائح تُنشد سياسياً الاستقلال والهدوء والانفتاح والتنوع، ولو لأسباب مختلفة.
- القضية الثانية متأتّية من سطحيّة معرفة قسم من الصحافيين والباحثين اللبنانيين بالمجتمع اللبناني رغم كل ادّعاءاتهم، نتيجة الغربة عن الشارع ونتيجة السعي الدائم الى إسقاط نظريات وتهيّؤات على الواقع بعيداً عن عناصره وعن حيويّاته. لذلك، ولأن لديهم تصنيفات مسبقة وتعميمات تنسجها الحملات الإعلامية والرغبات، تفاجأوا بحجم المشاركة السنية الداعمة لقوى 14 آذار، وتفاجأوا بأن دوائر مسيحية كالأشرفية والكورة والبترون وبشري لا يفسّر النجاح ال14 آذاري فيها تصويت المحافظة الذي حصدها عام 2005. كما لم يفهموا مؤدّى الرفض اللبناني المتزايد لفكرة السلاح خارج الدولة، ولمنظومة اللاإستقرار تحت شعار المقاومة. هذا ناهيك عن استسلامهم الكسول لتبنّي مقولات حول دور المال والمغتربين والحشد المذهبي بوصفها عناصر حصرية استخدمتها قوى 14 آذار، في حين أن أي متعاط جاد في الشأنين السياسي والانتخابي يدرك أن حزب الله ليس أقل إنفاقاً من تيار المستقبل، وأن التيار العوني والطاشناق ليسا أقل استقداماً للمغتربين من القوات أو الكتائب، وأن التخوين والتهديد وتمجيد العنف المذهبي والاستباحة لا يمكن إلا أن تولّد تعبئة وتشنجاً مذهبياً مضاداً...
في أي حال، لم يتفوّق على الباحثين والصحافيين المذكورين انزعاجاً من نتائج الانتخابات الأخيرة، سوى النظام السوري الذي كان يريد العودة الرمزية من خلال الحلفاء المنتصرين، والحكومة الإسرائيلية ومستشاريها الذين كانوا يمنّون النفس بمجابهة كل ضغط عليهم في الشأن الفلسطيني، عبر القول إن إيران أحمدي نجاد صارت على حدودهم الشمالية، وإن الأولوية تبدأ بإزالة خطرها...
المهم الآن، وبمعزل عن هؤلاء مجتمعين، بدء الحوار الهادئ والمعمّق في لبنان، وتشكيل الحكومة القادرة على التصدي للتحدّيات الداخلية والخارجية ولو بالحدّ الأدنى من التماسك والتعقّل. علّ في ذلك ما يحصّن الاستقرار ويزيد المُحبطين من ميل اللبنانيين الى الحرية والعدالة والسلام إحباطاً...
زياد ماجد