Monday, June 1, 2009

عن سمير قصير وإليه

في مثل هذا اليوم من أربع سنوات، سقط سمير قصير مضرّجاً بدمه وبأحلامه.
لم يكن اغتياله جريمة أصابت مؤرّخاً وأستاذاً جامعياً وصحافياً وصديقاً ورفيقاً فحسب. كان أيضاً محاولة تصفية لما مثّله من قيم انفتاح ونزاهة والتزام ثقافي وسياسي، وكان عقاباً على ما عبّرت عنه سيرته من شجاعة وإقدام وجدّية وطموح، وكان سعياً لإعدام احتمالات أراد التمركز على خطوط تقاطعها: احتمالات بناء ديمقراطية وتأسيس نهضة وإحياء عقلانية لا تخشى الأسئلة والمسّ بما يخاله البعض مسَلّمات.
وفي مثل هذا اليوم من أربع سنوات، مات شيء فينا. شيء يصعب تعريفه. ربما هو العلاقة بالسياسة كما أردناها: منطلقاً نبيلاً لجمع الناس حول انتماء الى مشروع، الى رؤيا، الى وطن يعتزّ ابناؤه بالعيش فيه بحرية، نابذين كل عنصرية أو شوفينية دافعة الى الانعزال. وربما هو العلاقة بالمدينة: ببيروت الواقعة على حدود البحر، على تخوم أمواجه التي لا تهدأ في سفرها بين ضفّة وأخرى، بين مرفأ وآخر، وبين فكرة وخاطرة. أو ربما هو العلاقة بالصداقة: بذلك الرابط الذي ينسى المرؤ قوّته في لحظات تغلّب "النضال" وأولويّته على الضحك والسمر، وفي أوان تحوّل المظاهرات والاجتماعات والصخب ودخان السجائر المحترقة على وقع النقاش الى إدمان يزيح من دربه متعة السير على كورنيش والثرثرة في مقهى أو الجلوس بصمت وبكسل ممتع في مكان لا تحيط به هواجس الغد ولا مشاكل الحاضر.
وفي مثل هذا اليوم من أربع سنوات، صرع الاستبداد نوراً كانت أشعّته تتسلّل كلمةً كلمة، واحتمالاً احتمالاً الى مواضع أغلق العسس المنافذ إليها، أو سدّ المحتلّون أبوابها: الى دمشق والقدس اللتين انتمى إليهما سمير، فاكتمل بحبّهما انتماؤه الى بيروت رئة يتنفس بها كل محروم من الهواء في مدن القهر والظلام المحيطة بها....


لكن هذا اليوم من أربع سنوات، أعطى رغم كل ما سلب، ورغم بشاعة المجزرة التي شهدها والتي أصابت شخص سمير وجهده وأيّامه وآماله وإنجازاته وإخفاقاته وحبّه وابتساماته، أعطى رغبة بالتحدّي وبالدفاع عن إرث غنيّ تركه ابن الخمسة وأربعين ربيعاً: إرث التمسّك بالحرية، بالعدالة، بالعقل، بالنقد، وبعشق بيروت مدينة للأحلام ولو ناقصة، وعاصمة "للبنان الديمقراطي المستقل والمستقر" الداعم ثقافياً لكل قضايا التحرّر في محيطه: التحرّر من الاستبداد في سوريا، ومن الاحتلال في فلسطين، ومن الظلامية في كامل المنطقة العربية.
واليوم، في هذه الذكرى، وعشية انتخابات هي الثانية منذ انتفاضة الاستقلال التي مات في خضمّها سمير، ورغم الملاحظات والانتقادات على التشكيل الرديء للوائح وعلى الخطاب المتهتّك ومفرداته الفقيرة وعلى غياب البرامج وعلى بهتان الثقافة السياسية الناظمة للعملية الانتخابية وسوء القوانين المعتمدة فيها، فإن هزيمة المعسكر المتبنّي كل ما ناضل ضدّه سمير، "معسكر 7 أيار"، تُبقي الأمل في أن الحلم الذي احتضر في 2 حزيران 2005 ما زال يصارع متمسّكاً بالحياة، مفتّشاً عن عبق جديد وعن هدوء يتيح له القيامة يوماً ما، في 2 حزيران، أو في 14 آذار، بعد عام، عامين، أو أكثر...
زياد ماجد