Wednesday, May 13, 2009

في النيابة وانتخاباتها

لا يسعى هذا النص الى التقليل في شيء من أهمية الانتخابات النيابية القادمة، وما تمثّله سياسياً من معركة بين خيارين: خيار ينشد الاستقرار وآخر مصرّ على إبقاء البلاد ساحة للصراعات الإقليمية وما يرافقها من تصفية حسابات.
لكنه يسعى الى الإضاءة على ثلاث قضايا غالباً ما تغيب عن النقاشات الانتخابية.
القضية الاولى هي قضية تحوّل الاستحقاق الانتخابي، حتى في لحظة سياسية شديدة التعقيد وعالية الأهمية، الى لحظة نهم تلتهم فيها قوى أهلية وعائلية وطائفية حليفاتها المدنية مضعفة البعد السياسي للتنافس ومحوّلة إياه الى شعارات فضفاضة لا يُعنى بها كثرٌ من المرشحين بقدر عنايتهم بإقامة التحالفات لتجميع الأصوات والوصول الى النجاح أو "الشهرة" (كما يفهمونها صوراً ومهرجانات وزيارات). وبذلك لا يصبح انتقالهم من لائحة الى أخرى مستغرباً، ولا قفزهم من تحالف الى آخر. حتى ليكاد البعض يقول إنه يريد انتخابات من دون سياسة أو من دون "تسييس"، وكأن المواضيع الأساسية التي يختلف عليها اللبنانيون، من الموقع والدور في المنطقة الى ملكية السلاح وقرارات الحرب والسلم في البلد، قضايا تخصّ روابط عائلية أو نوادي بلدية!

القضية الثانية هي قضية الفهم لدور النائب ولمهامه وواجباته. فالنائب هو نظرياً مشرّع ومراقب للسلطة التنفيذية وممثّل "للأمة"، ويفترض به – إضافة الى موقفه السياسي وانتمائه الحزبي أو المستقل – أن يملك مواصفات الحد الأدنى التشريعية والرقابية. على أنه واقعياً في لبنان، نادراً ما يلتزم بمهامه الدستورية وغالباً ما يكون أقرب الى متعهّد للخدمات ومعقّب للمعاملات. وهذا يفتح باب البحث في أسباب تشوّه الثقافة السياسية الناظمة للانتخابات النيابية، ويشير الى ضرورة التركيز على مسائل إصلاحية، تساهم ليس فقط في دعم معركتي الاستقلال والاستقرار، بل في بناء الدولة أيضاً. ومن بين تلك المسائل، مسألة قانون الانتخاب وضرورة اعتماد النسبية كشكل للتمثيل السليم، وكسبيل لتجديد النخب السياسية، ومن خلال الفرز السياسي البرنامجي الذي يتيح لكل مجموعة التمثّل وفق حجمها مهما كان محدوداً. ومن بين المسائل الإصلاحية أيضاً، اللامركزية الإدارية التي تقوّي البلديات وتستحدث مجالس الأقضية، فتفعّل العمل التنموي المحلي الذي غالباً ما يلتفّ عليه النواب من باب خدماتي زبائني، وتدفع الأخيرين الى الاهتمام باختصاصاتهم المفترضة (التشريعية والرقابية).
القضية الثالثة المرتبطة بما سبق، هي قضية غياب البرامج لدى أكثر المرشحين، وهو غياب وإن بدا للبعض ثانوياً أمام العناوين الكبرى للمعركة الدائرة، يبقى المدخل السليم لتمييز المرشحين عن بعضهم وفرز اللوائح والتحالفات، ويبقى المنطلق لإجراء المحاسبة لاحقاً ومقارنة الوعود بالإنجازات.
وإذا أضفنا الى هذه القضايا قضية يعتبرها كثر تجميلية أو كمالية، في حين أنها في صميم الثقافة الديمقراطية والسلوك المواطني، ألا وهي قضية ترشّح ونجاح المرشحات النساء (والمعطيات الحالية تشير الى تراجع حتى عن النسبة الضئيلة التي كانت موجودة في البرلمان الماضي، وهي في أي حال من أدنى نسب مشاركة المرأة في العالم)، بدا المشهد الى أهليّته وهشاشته يتّسم بذكورية فاقعة...
إنطلاقاً من كل ما ذكر، هل يصحّ القول إن المطالبة بالحد الأدنى من احترام السياسة بمعناها النبيل حتى وسط المعارك الانتخابية الحامية ترف لا يستحقه اللبنانيون؟
لا نعتقد ذلك، ولا نظن في أي حال أن الاستقرار والاستقلال مفصولان عن الإصلاح، ولو أنهما شرطه الأساسي، إن لم يكن الوحيد...
زياد ماجد